فصل: الخبر عن ملوك التبابعة من حمير وأوليتهم باليمن ومصاير أمورهم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبر عن ملوك التبابعة من حمير وأوليتهم باليمن ومصاير أمورهم:

هؤلاء الملوك من ولد عبد شمي بن واثل بن الغوث باتفاق من النسابين وقد مر نسبه إلى حمير وكانت مدائن ملكهم صنعاء ومأرب على ثلاث مراحل منها وكان بها السد ضربته بلقيس ملكة من ملوكهم سدا ما بين جبلين بالصخر والقار فحقنت به ماء العيون والأمطار وتركت فيه خروقا على قدر ما يحتاجون إليه في سقيهم وهو الذي يسمى العرم والسكر وهو جمع لا واحد له من لفظه قال الجعدي:
من سبأ الحاضرين مأرب إذ ** يبنون من دون سيله العرما

أي السد ويقال إن الذي بنى السد هو حمير أبو القبائل اليمنية كلها قال الأعشى:
ففي ذلك للمؤتسى أسوة ** مأرب غطى عليه العرم

رخام بناه لهم حمير ** إذا جاءه من رامه لم يرم

وقيل بناه لقمان الأكبر ابن عاد كما قاله المسعودي وقال: جعله فرسخا في فرسخ وجعل له ثلاثين شعبا وقيل وهو الأليق والأصوب أنه من بناء سبا بن يشجب وأنه ساق إليه سبعين واديا ومات قبل إتمامه فأتمه ملوك حمير من بعده وإنما رجحناه لأن المباني العظيمة والهياكل الشامخة لا يستقل بها الواحد كما قدمناه في الكتاب الأول فأقاموا في جناته عن اليمين والشمال كما وصف القرآن ودولتهم يومئذ أوفرما كانت وأترف وأبذخ وأعلى يدا وأظهر فلما طغوا وأعرضوا سلط الله عليهم الخلد وهو الجرذ فنقبه من أسفله فأجحفهم السيل وأغرق جناتهم وخربت أرضهم وتمزق ملكهم وصاروا أحاديث.
وكان هؤلاء التبابعة ملوكا عدة في عصور متعاقبة وأحقاب متطاولة لم يضبطهم الحصر ولا تقيدت منهم الشوارد وربما كانوا يتجاوزون ملك اليمن إلى ما بعد عنهم من العراق والهند والمغرب تارة ويقتصرون على يمنهم أخرى فاختلفت أحوالهم واتفقت أسماء كثيرة من ملوكهم ووقع الليس في نقل أيامهم ودولهم فلنأت بما صح منها متحريا جهد الاستطاعة عن طموس من الفكر واقتفاء التقاييد المرجوع إليها والأصول المعتمد على نقلها وعدم الوقوف على أخبارهم مدونة في كتاب واحد والله المستعان.
قال السهيلي: معنى تبع الملك المتبع وقال صاحب المحكم: التبابعة ملوك اليمن وأحدهم تبع لأنهم يتبع بعضهم بعضا كلما هلك واحد قام آخر تابعا له في سيرته وزادوا الباء في التبابعة لإرادة النسب قال الزمخشري: قيل لملوك اليمن التبابعة لأنهم يتبعون كما قيل الأقيال لأنهم يتقيلون قال المسعودي: ولم يكونوا يسمون الملك منهم تبعا حتى يملك اليمن والشحر وحضرموت وقيل حتى يتبعه بنو جشم بن عبد شمس ومن لم يكن له شيء من الأمرين فيسمى ملكا ولا يقال له تبع وأول ملوك التبابعة باتفاق من المؤرخين الحرث الرائش وإنما سمي الرائش لأنه راش الناس بالعطاء أو اختلف الناس في نسبه بعد اتفاقهم على أنه من ولد واثل بن الغوث بن حيران بن قطن بن عريب بن زهير بن إبين بن الهميسع بن حمير فقال ابن إسحق وأبو المنذر بن الكلبي: إن قيسا بن معاوية بن جشم فابن اسحق يقول في نسبه إلى سبا الحرث بن عدي بن صيفي وابن الكلبي يقول الحرث بن قيس بن صيفي وقال السهيلي هو الحرث بن همال بن ذي سدد بن الملطاط بن عمرو بن ذي يقدم بن الصوار بن عبد شمس بن واثل وجشم جد سباهو بن عبد شمس هذا عند المسعودي وعند بعضهم أنه أخوه وأنهما معا ابنا واثل وذكر المسعودي عن عبيد بن شربة الجرهمي وقد سأل معاوية عن ملوك اليمن في خبر طويل ونسب الحرث منهم فقال: هو الحرث بن شداد بن الملطاط بن عمرو وأما الطبري فاختلف نسبه في نسب الحرث فمرة قال: وبيت ملك التبابعة في سبا الأصغر ونسبه كما مر وقال في موضع آخر والحرث بن ذي شدد هو الرائش جد الملوك التبابعة فجعله إلى شدد ولم ينسبه إلى قيس ولا عدي من ولد سبا وكذلك اضطرب أبو محمد بن حزم في نسبه في الجمهرة مرة إلى الملطاط ومرة إلى سبا الأصغر والظاهر أنه تبع في ذلك الطبري والله أعلم.
وملك الحرث الرائش فيما قالوا مائة وخمسا وعشرين سنة وكان يسمى تبعا وكان مؤمنا فيما قال السهيلي ثم ملك بعده ابنه أبرهة ذو المنار مائة مائة وثمانين سنة قال المسعودي وقال ابن هشام: أبرهة ذو المنار هو ابن الصعب بن ذي مداثر بن الملطاط وسمي ذا المنار لأنه رفع المنار ليهتدي به ثم ملك من بعده أفريقش بن أبرهة مائة وستين سنة وقال ابن حزم هو أفريقش بن قيس بن صيفي أخو الحرث الرائش وهو الذي ذهب بقبائل العرب إلى أفريقية وبه سميت وساق البربر إليها من أرض كنعان مر بها عندما غلبهم يوشع وقتلهم فاحتمل الفل منهم وساقهم إلى أفريقية فأنزلهم بها وقتل ملكها جرجير ويقال إنه الذي سمى البرابرة بهذا الإسم لأنه لما افتتح المغرب وسمع رطانتهم قال: ما أكثر بربرتهم فسموا البرابرة والبربرة في لغة العرب هي اختلاط أصوات غير مفهومة ومنه بربرة الأسد ولما رجع من غزو المغرب ترك هنالك من قبائل حمير صنهاجة وكتامة فهم إلى الآن بها وليسوا من نسب البربر قاله الطبري والجرجاني والمسعودي وابن الكلبي والسهيلي وجميع النسابين.
ثم ملك من بعد افريقش أخوه العبد بن أبرهة وهو ذو الأذعار عند المسعودي قال: سمي بذلك لكثرة ذعر الناس من جوره وملك خمسا وعشرين سنة وكان على عهد سليمان بن داود بن داود وقبله بقليل وغزا ديار المغرب وسار إليه كيقاوس بن كنعان ملك فارس فبارزه وانهزم كيقاوس وأسره ذو الأذعار حتى استنقذه بعد حين من يده وزيره رستم زحف إليه بجموع فارس إلى اليمن وحارب ذا الأذعار فغلبه واستخلص كيقاوس من أسره كما نذكره في أخبار ملوك فارس وقال الطبري إن ذا الأذعار اسمه عمرو بن ابرهة ذي المنار بن الحرث الرائش بن قيس بن صيفي بن سبا الأصغر انتهى وكان مهلك ذي الأذعار فيما ذكر ابن هشام مسموما على يد الملكة بلقيس.
وملك من بعده الهدهاد بن شرحبيل بن عمرو بن ذي الأذعار وهو ذو الصرح وملك ستا أو عشرا فيما قال المسعودي وملكت بعده ابنته بلقيس سبع سنين وقال الطبري: إن اسم بلقيس يلقمة بنت اليشرح بن الحرث بن قيس انتهى ثم غلبهم سليمان عليه السلام على اليمن كما وقع في القرآن فيقال تزوجها ويقال بل عزلها في التأيم فتزوجت سدد بن زراعة بن سبا وأقاموا في ملك سليمان وابنه أربعا وعشرين سنة ثم قال بملكهم ناشر بن عمرو ذي الأذعار ويعرف بناشر النعم لفظين مركبين جعلا اسما واحدا كذا ضبطه الجرجاني وقال السهيلي ناشر بن عمرو ثم قال ويقال ناشر النعم وفي كتاب المسعودي نافس بن عمرو ولعله تصحيف ونسبه إلى عمرو ذي الأذعار وليس يتحقق في هذه الأنساب كلها أنها للصلب فإن الآماد طويلة والأحقاب بعيدة وقد يكون بين اثنتين منهما عدد من الآباء وقد يكون ملصقا به وقال هشام بن الكلبي أن ملك اليمن صار بعد بلقيس إلى ناشر بن عمرو بن يعفر الذي يقال له ياسر أنعم لإنعامه عليهم بما جمع من أمرهم وقوي من ملكهم وزعم أهل اليمن أنه سار غازيا إلى المغرب فبلغ وادي الرمل ولم يبلغه أحد ولم يجد فيه مجازا لكثرة الرمل وعبر بعض أصحابه فلم يرجعوا فأمر بصنم من نحاس نصب على شفير الوادي وكتب في صدره بالخط المسند هذا الصنم لياسر أنعم الحميري ليس وراءه مذهب فلا يتكلف أحد ذلك فيعطب انتهى.
ثم ملك بعد ياسر هذا ابنه شمر مرعش سمي بذلك لارتعاش كان به ويقال إنه وطئ أرض العراق وفارس وخراسان وافتتح مدائنها وخرب مدينة الصغد وراء جيحون فقالت العجم (شمركنداي) شمر خرب وبني مدينة هنالك فسميت باسمه هذا عربته العرب فصار سمرقند ويقال أنه الذي قاتل قباذ ملك الفرس وأسره وأنه الذي حير الحيرة وكان ملكه مائة وستين سنة وذكر بعض الإخباريين أنه ملك بلاد الروم وأنه الذي استعمل عليهم ماهان قيصر فهلك وملك بعده ابنه دقيوس وقال السهيلي في شمر مرعش الذي سميت به سمرقند أنه شمر بن مالك ومالك هو الأملوك الذي قيل فيه:
فنقب عن الأملوك واهتف بذكره ** وعش دار عز لا يغالبه الدهر

وهذا غلط من السهيلي فإنهم مجمعون على أن الأملوك كان لعهد موسى صلوات الله عليه وشمر من أعقاب ذي الأذعار كان على عهد سليمان فلا يصح ذلك إلا أن يكون شمر ابرهة ويكون أول دولة التبابعة.
ثم ملك على التبابعة بعد شمر مرعش تبع الأقرن واسمه زيد قال السهيلي وهو ابن شمر مرعش وقال الطبري إنه ابن عمرو ذي الأذعار وقال السهيلي إنما سمي الأقرن لشامة كانت في قرنه وملك ثلاثا وخمسين سنة وقال المسعودي ثلاثا وستين ثم ملك من بعده ابنه ملكيكرب وكان مضعفا ولم يغزقط إلى أن مات وملك بعده ابنه تبان أسعد أبو كرب ويقال هو تبع الآخر وهو المشهور من ملوك التبابعة وعند الطبري أن الذي بعد ياسر ينعم بن عمرو ذي الأذعار تبع الأقرن أخوه ثم بعد تبع الأقرن شمر مرعش بن ياسر ينعم ثم من بعده تبع الأصغر وهو تبان أسعد أبو كرب هذا هو تبع الآخر وهو المشهور من ملوك التبابعة وقال الطبري: ويقال له الرائد وكان على عهد يستاسب وحافده أردشير يمن ابن ابنه اسفنديار من ملوك الفرس وأنه شخص من اليمن غازيا ومر بالحيرة فتحير عسكره هنالك فسميت الحيرة وخلف قوما من الأزد ولخم وجذام وعاملة وقضاعة فأقاموا هنالك وبنو الإطام واجتمع إليهم ناس من طيرة وكلب والسكون وأيام والحرث بن كعب ثم توجه إلى الأنبار ثم الموصل ثم أذربيجان ولقي الترك فهزمهم وقتل وسبى ثم رجع إلى اليمن وهابته الملوك وهادنه ملوك الهند ثم رجع لغزو الترك وبعث ابنه حسان إلى الصغد وابنه يعفو إلى الروم وابن أخيه شمر ذي الجناح إلى الفرس وإن شمر لقي كيقباذ ملك الفرس فهزمه وملك سمرقند وقتله وجاز إلى الصين فوجد أخاه حسان قد سبقه إليها فأثخنا في القتل والسبي وانصرفا بما معهما من الغنائم إلى أبيهما وبعث ابنه يعفر إلى القسطنطينية فتلقوه الجزية والأتاوة فسار إلى رومة وحصرها ووقع الطاعون في عسكره فاستضعفهم الروم ووثبوا عليهم فقتلوهم ولم يفلت منهم أحد ثم رجع إلى اليمن ويقال أنه ترك ببلاد الصين قوما من حمير وأنهم بها لهذا العهد وأنه ترك ضعفاء الناس بظاهر الكوفة فتحيروا هنالك وأقاموا معهم من كل قبائل العرب.
وقال ابن إسحق إن الذي سار إلى المشرق من التبابعة تبع الآخر وهو تبان أسعد أبو كرب بن ملكيكرب بن زيد الأقرن ابن عمرو ذي الأذعار وتبان أسعد هو حسان تبع وهو فيما يقال أول من كسا الكعبة وذكر ابن إسحق الملأ والوصائل وأوصى ولاته من جرهم بتطهيرها وجعل لها بابا ومفتاحا وذكر ابن إسحق أنه أخذ بدين اليهودية وذكر في سبب تهوده أنه لما غزا إلى المشرق مر بالمدينة يثرب فملكها وخلف ابنه فيهم فعدوا عليه وقتلوه غيلة ورئسهم يومئذ عمرو بن الطلة من بني النجار فلما أقبل من المشرق وجعل طريقه على المدينة مجمعا على خرابها فجمع هذا الحي من أبناء قيلة لقتاله فقاتلهم وبينما هم على ذلك جاءه حبران من أحبار يهود من بني قريظة وقالا له: لا تفعل فإنك لن تقدر وأنها مهاجر نبي قرشي يخرج آخر الزمان فتكون قرارا له وأنه أعجب بهما واتبعهما على دينهما ثم مضى لوجهه ولقيه دون مكة نفر من هذيل وأغروه بمال الكعبة وما فيها من الجواهر والكنوز فنهاه الحبران عن ذلك وقالا له إنما أراد هؤلاء هلاكك فقتل النفر من الهذليين وقدم مكة فأمره الحبران بالطواف بها والخضوع ثم كساها كما تقدم وأمر ولاتها من جرهم بتطهيرها من الدماء والحيض وسائر النجاسات وجعل لها بابا ومفتاحا ثم سار إلى اليمن وقد ذكر قومه ما أخذ به من دين اليهودية وكانوا يعبدون الأوثان فتعرضوا لمنعه ثم حاكموه إلى النار التي كانوا يحاكمون إليها فتأكل الظالم وتدع المظلوم وجاؤوا بأوثانهم وخرج الجيران متقلدان المصاحف ودخل الحميريون فأكلتهم أوثانهم وخرج الحبران منها ترشح وجوههم عرقا فآمنت حمير عند ذلك وأجمعوا على اتباع اليهودية ونقل السهيلي عن ابن قتيبة في هذه الحكاية أن غزاة تبع هذه إنما هي استصراخة أبناء قيلة على اليهود فإنهم كانوا نزلوا مع اليهود حين أخرجوهم من اليمن على شروط فنقضت عليهم اليهود فاستغاثوا بتبع فعند ذلك قدمها وقد قيل: إن الذي استصرخه أبناء قيلة على اليهود إنما هو أبو جبلة من ملوك غسان بالشام جاء به مالك بن عجلان فقتل اليهود بالمدينة وكان من الخزرج كما نذكر بعد ويعضد هذا أن مالك بن عجلان بعيد عن عهد تبع بكثير يقال إنه كان قبل الإسلام بسبعمائة سنة ذكره ابن قتيبة وحكى المسعودي في أخبار تبع هذا أن أسعد أبا كرب سار في الأرض ووطأ الممالك وذللها ووطئ أرض العراق في ملك الطوائف وعميد الطوائف يومئذ خرداد بن سابور فلقي ملكا من ملوك الصوائف إسمه قباذ وليس قباذ بن فيروز فانهزم قباذ وملك أبو كرب العراق والشام والحجاز وفي ذلك يقول تبع أبو كرب:
إذا حسينا جيادنا من دماء ** ثم سرنا بها مسيرا بعيدا

واستبحنا بالخيل خيل قباذ ** وابن إقليد جاءنا مصفودا

وكسونا البيت الذي حرم ** الله ملاء منضدا وبرودا

وأقمنا به عن من الشهر عشرا ** وجعلنا لبابه إقليدا

وقال أيضا:
لست بالتبع اليماني إن لم ** تركض الخيل في سواد العراق

أو تؤدي ربيعة الخرج قسرا ** لم يعقها عوائق العواق

وقد كانت لكندة معه وقائع وحروب حتى غلبهم حجر بن عمرو بن معاوية بن ثور بن مرتع بن معاوية بن كندة بن ملوك كهلان فدانوا له وجع أبوكرب إلى اليمن فقتله حمير وكان ملكه ثلثمائة وعشرين سنة.
ثم ملك من بعد أبي كرب هذا فيما قال ابن إسحق ربيعة بن نصر بن الحرث بن نمارة بن لخم ولخم أخو جذام وقال ابن هشام ويقال ربيعة بن نصر بن أبي حارثة بن عمرو بن عامر كان أبو حارثة تخلف باليمن بعد خروج أبيه وأقام ربيعة بن نصر ملكا على اليمن بعد هؤلاء التبابعة الذين تقدم ذكرهم ووقع له شأن الرؤيا المشهورة قال الطبري عن ابن إسحق عن بعض أهل العلم أن ربيعة بن نصر رأى رؤيا هالته وفظع بها وبعث في أهل مملكته في الكهنة والسحرة والمنجمين وأهل العيافة فأشاروا عليه باستحضار الكاهنين المشهورين لذلك العهد في إياد وغسان وهما شق وسطيح قال الطبري شق هو أبو صعب شكر بن وهب بن أمول بن يزيد بن قيس عبقر بن أنمار وسطيح هو ربيع بن ربيعة بن مسعود بن مازن بن ذيب بن عدي بن مازن بن غسان ولوقوع اسم ذيب في نسبه كان يعرف بالذيبي فأحضرهما وقص عليهما رؤياه وأخبراه بتأويلها أن الحبشة يملكون بلاد اليمن من بعد ربيعة وقحطان بسعين سنة ثم يخرج عليهم ابن ذي يزن من عدن فيخرجهم ويملك عليهم اليمن ثم تكوه النبوة في قريش في بني غالب بن فهر ووقع في نفس ربيعة أن الذي حدثه الكاهنان من أمر الحبشة كائن فجهز بينه وأهل بيته إلى العراق بما يصلحهم وكتب إلى ملك من ملوك فارس يقال له سابور بن خرداذ فأسكنهم الحيرة.
ومن بيت ربيعة بن نصر كان النعمان ملك الحيرة وهو النعمان بن المنذر بن عمرو بن عدي بن ربيعة بن نصر قال ابن إسحق ولما هلك ربيعة بن نصر اجتمع ملك اليمن لحسان بن تبان أسعد بن كرب قال السهيلي وهو الذي استباح طسما كما ذكرناه وبعث على المقدمة عبد كهلان بن يثرب بن ذي حرب بن حارث بن ملك بن عبدان بن حجر بن ذي رعين واسم ذي رعين يريم وهو ابن زيد الجمهور وقد مر نسبه إلى سبا الأصغر وقال السهيلي في أيام حسان تبع كان خروج عمرو بن مزيقيا من اليمن بالأزد وهو غلط من السهيلي لأن أبا كرب أباه إنما غزا المدينة فيما قال هو صريخا للأوس والخزرج على اليهود وهو من غسان ونسبه إلى مزيقيا فعلى هذا يكون الذي استصرخه الأوس والخزرج على اليهود وهو من ملوك غسان كما يأتي في أخبارهم قال ابن إسحق: ولما ملك حسان بن تبع بن تبان أسعد سار بأهل اليمن يريد أن يطأ بهم أرض العرب والعجم كما كانت التبابعة تفعل فكرهت حمير وقبائل اليمن السير معه وأراداوا الرجوع إلى بلادهم فكلموا أخا له كان معهم في العسكر يقال له عمرو وقالوا له اقتل أخاك نملكك وترجع بنا إلى بلادنا فتابعهم على ذلك وخالفه ذورعين في ذلك ونهى عمرا عن ذلك فلم يقبل وكتب في صحيفة وأودعها عنده:
ألا من يشتري سهرا بنوم ** سعيد من يبيت قرير عين

فأما حمير غدرت وخانت ** فمعذرة الإله لذي رعين

ثم قتل أخاه بعرصة لخم وهي رحبة مالك بن طوق ورجع حمير إلى اليمن فمنع النوم عليه السهر وأجهده ذلك فشكى إلى الأطباء عدم نومه والكهان والعرافين فقال ما قتل رجل أخاه إلا سلط عليه السهر فجعل يقتل كل من أشار عليه بقتل أخيه ولم يغنه ذلك شيئا وهم بذي رعين فذكره شعره فكانت فيه معذرته ونجاته وكان عمرو هذا يسمى موثبان قال الطبري: لوثوبه على أخيه وقال ابن قتيبة لقلة غزوه ولزومه الوثب على الفراش وهلك عمرو هذا لثلاث وستين سنة من ملكه.
قال الجرجاني والطبري: ثم مرج أمر حمير من بعده وتفرقوا وكان ولد حسان تبع صغارا لا يصلحون للملك وكان أكبرهم قد استهوته الجن فوثب على ملك التبابعة عبد كلال موثبا فملك عليهم أربعا وتسعين سنة وكان يدين بالنصرانية ثم رجع ابن حسان تبع من استهواء الجن فملك على التبابعة قال الجرجاني ملك ثلاثا وسبعين سنة وهو تابع الأصغر ذو المغازي والآثار البعيدة قال الطبري: وكان أبوه حسان تبع قد زوج بنته من عمرو بن حجر آكل المرارا بن عمرو بن معاوية من ملوك كندة فولدت له ابنه الحرث بن عمرو فكان ابن تبع بن حسان هذا فبعثه على بلاد معد وملك على العرب بالحيرة مكان آل نصر بن ربيعة قال وانعقد الصلح بينه وبين كيقباد ملك فرس على أن يكون الفرات حدا بينهم ثم أغارت العرب بشرقي الفرات فعاتبه على ذلك فقال لا أقدر على ضبط العرب إلا بالمال والجند فأقطعه بلادا من السواد وكتب الحرث إلى تبع يغريه بملك الفرس وتضعيف أمر كيقباد فغزاهم وقيل إن الذي فعل ذلك هو عمرو بن حجر أبوه الذي ولاه تبع أبو كرب وأنه أغراه بالفرس واستقدمه إلى الحيرة فبعث عساكره من ولده الثلاثة إلى الصغد والصين والروم وقد تقدم ذكر ذلك.
قال الجرجاني: ثم ملك بعد تبع بن حسان تبع أخوه لأمه وهو مدثر بن عبد كلال فملك إحدى وأربعين سنة ثم ملك من بعده ابنه وليعة بن مدثر سبعا وثلاثين سنة ثم ملك من بعده أبرهة بن الصباح بن لهيعة بن شبيبة بن مدثر قيلف بن يعلق بن معد يكرب بن عبد الله بن عمرو بن ذي أصبح الحرب بن مالك أخو ذي رعين وكعب أبو سبا الأصغر قال الجرجاني: وبعض الناس يزعم أن أبرهة بن الصباح إنما ملك تهامة فقط قال: ثم ملك من بعده حسان بن عمرو بن تبع بن ملكيكرب سبعا وخمسين سنة ثم ملك لخيتعة ولم يكن من أهل بيت المملكة قال ابن إسحق ولما ملك لختيعة غلب عليهم وقتل خيارهم وعبث برجالات بيوت المملكة منهم قيل إنه كان ينكح ولدان حمير يريد بذلك أن لا يملكوا علهم وكانوا لا يملكون عليهم من نكح نقله ابن إسحق وقال أقام عليهم مملكا سبعا وعشرين سنة ثم وثب عليه ذو نواس زرعة تبع بن تبان أسعد بني كرب وهو حسان أبي ذي معاهر فيما قال ابن إسحق وكان صبيا حين قتل حسان ثم شب غلاما جميلا ذا هيئة وفضل ووضاءة ففتك بالختيعة في خلوة أراده فيها على مثل فعلاته القبيحة وعلمت به حمير وقبائل اليمن فملكوه واجتمعوا عليه وجدد ملك التبابعة وتسمى يوسف وتعصب لدين اليهودية وكانت مدته فيما قال ابن إسحق ثمانية وستين سنة إلى هنا ترتيب أبي الحسن الجرجاني ثم قال: وقال آخرون ملك بعد أفريقش بن أبرهة قيس بن صيفي وبعده الحرث بن قيس بن مياس ثم ماء السماء بن ممروه ثم شرحبيل وهو يصحب بن مالك بن زيد بن غوث بن سعد بن عوف بن علي بن الهمال بن المنثلم بن جهيم ثم الصعب بن قرين بن الهمال بن المنثلم ثم زيد بن الهمال ثم ياسر بن الحرث بن عمرو بن يعفر ثم زهير بن عبد شمس أحد بني صيفي بن سبا الأصغر وكان فاسقا مجرما يفتض أبكار حمير حتى نشأت بلقيس بنت اليشرح بن ذي جدن بن اليشرح بن الحرث بن قيس بن صيفي فقتلته غيلة ثم ملكت ولما أخذها سليمان ملك لملك بن شرحبيل ثم ملك ذو وداغ فقتله ملكيكرب بن تبع بن الأقرن وهو أبو ملك ثم هلك فملك أسعد بن قيس بن زيد بن عمرو ذي الأذعار بن أبرهة ذي المنار بن الرايش بن قيس بن صيفي بن سبا وهو أبو كرب ثم ملك حسان ابنه فقتله عمرو أخوه ووقع الاختلاف في حمير ووثب على عمرو الختيعة ينوف ذو الشناتر وملك ثم قتله ذو نواس بن تبع وملك كلام الجرجاني.
وزعم ابن سعيد ونقله من كتب مؤرخي المشرق أن الحرث الرايش هو ابن ذي شداد ويعرف بذي مداثر وأن الذي ملك بعده ابنه الصعب وهو ذو القرنين ثم ابنه أبرهة بن الصعب وهو ذو المنار ثم العبد ذو الأشفارا بن أبرهة بن عمرو ذي الأذعار ابن أبرهة ثم قتله بلقيس قال في التيجان: إن حمير خلعوه وملكوا شرحبيل ابن غالب بن المنتاب بن زيد بن يعفر بن السكسك بن وائل وكان بمأرب فجاز به ذو الأذعار وحارب ابنه الهدهاد بن شرحبيل من بعده وابنته بلقيس بنت الهدهاد الملكة من بعده فصالحته على التزويج وقتلته وغلبها سليمان عليه السلام على اليمن إلى أن هلك وابنه رحبعم من بعده واجتمعت حمير من بعده على مالك بن عمرو ابن يعفر بن عمرو بن حمير بن المنتاب بن عمرو بن يزيد بن يعفر بن السكسك بن وائل بن حمير وملك بعده ابنه شمر يرعش وهو الذي خرب سمرقند وملك بعده ابنه صيفي بن شمر على اليمن وسار أخوه أفريقش بن شمر إلى أفريقية بالبربر وكنعان فملكها ثم انتقل الملك إلى كهلان وقام به عمران بن عامر ماء السماء بن حارثة امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد وكان كاهنا ولما احتضر عهد إلى أخيه عمرو بن عامر المعروف بمزيقيا وأعلمه بخراب سد مأرب وهلاك اليمن بالسيل فخرج من اليمن بقومه وأصحاب اليمن سيل العرم فلم ينتظم لبني قحطان بيعته واستولى على قصر مأرب من بعده ربيعة بن نصر ثم رأى رؤيا ونذر بملك الحبشة وبعث ولده إلى العراق وكتب إلى سابور الأشعاني فأسكنه الحيرة وكثرت الخوارج باليمن فاجتمع حمير على أن تكون لأبي كرب أسعد بن عدي بن صيفي فخرج من ظفار وغلب ملوك الطوائف باليمن ودوخ جزيرة العرب وحاصر الأوس والخزرج بالمدينة وحمل حمير على اليهودية وطالت مدته وقتلته حمير وملك بعده ابنه حسان الذي أباد طسما ثم قتله أخوه عمرو بمداخلة حمير وهلك عمرو فملك بعده أخوه لأبيه عبد كلال بن منوب وفي أيامه خلع سابور أكتاف العرب وملك بعده تبع بن حسان وهو الذي بعث ابن أخيه الحرث بن عمرو الكندي إلى أرض بني معد بن عدنان بالحجاز فملك عليهم وملك بعده مرثد بن عبد كلال ثم ابنه وليعة وكثرت الخوارج عليه وغلب أبرهة بن الصباح على تهامة اليمن وكان في ظفار دار التبابعة حسان بن عمرو بن أبي كرب ثم وثب بعده على ظفار ذو شناتر وقتله ذو نواس كما مر هذا ترتيب ابن سعيد في ملوكهم.
وعند المسعودي: أنه لما هلك كليكرب بن تبع المعروف بالأقرن قال وهو الذي سار قومه نحو خراسان والصغد والصين وولي بعد حسان بن تبع فاستقام له الأمر خمسا وعشرين سنة ثم قتله أخوه عمرو بن تبع وملك أربعا وستين سنة ثم تبع أبو كرب وهو الذي غزا يثرب وكسا الكعبة بعد أن أراد هدمها ومنعه الحبران من اليهود وتهود وملك مائة سنة ثم بعده عمرو بن تبع أبي كرب وخلع وملكوا مرثد بن عبد كلال واتصلت الفتن باليمن أربعين سنة ومن بعده وليعة بن مرثد تسعا وثلاثين سنة ومن بعده أبرهة بن الصباح بن وليعة بن مرثد ويدعى شيبة الحمد ثلاث وتسعين سنة وكانت له سير وقصص ومن بعده عمرو ذو قيفان تسع عشرة سنة ومن بعده لخيتعة ذو شناتر ومن بعده ذو نواس.
وأما ابن الكلبي والطبري وابن حزم فعندهم أن تبع أسعد أبي كرب هو ابن كليكرب بن زيد الأقرن ابن عمرو بن ذي الأذعار بن أبرهة ذي المنار الرايش بن قيس بن صيفي بن سبا الأصغر وقال السهيلي إنه أسقط أسماء كثيرة وملوكا وقال ابن الكلبي وابن حزم: ومن ملوك التبابعة أفريقش بن صيفي ومنهم شمر يرعش ابن ياسر ينعم بن عمرو ذي الأذعار ومنهم بلقيس ابنة اليشرح بن ذي جدن بن اليشرح بن الحرث الرايش بن قيس بن صيفي ثم قال ابن حزم بعد ذكر هؤلاء من التبابعة: وفي أنسابهم اختلاف وتخليط وتقديم وتأخير ونقصان وزيادة ولا يصح من كتب أخبار التبابعة وأنسابهم إلا طرف يسير لاختلاف رواتهم وبعد العهد وقال الطبري لم يكن لملوك اليمن نظام وإنما كان الرئيس منهم يكون ملكا على مخلافه لا يتجاوزه وإن تجاوز بعضهم عن مخلافه بمسافة يسيرة من غير أن يرث ذلك الملك عن آبائه ولا يرثه أبناؤه عنه إنما هو شأن شداد المتلصصة يغيرون على نواحي باستغفال أهلها فإذا قصدهم الطلب لم يكن لهم ثبات وكذلك كان أمر ملوك اليمن يخرج أحدهم من مخلافه بعض الأحيان ويبعد في الغزو والإغارة فيصيب ما يمر به ثم يتشمر عند خوف الطلب زاحفا إلى مكانه من غير أن يدين له أحد من غير مخلافه بالطاعة أو يؤدي إليه خراجا.
وأما الخبر عن ذي نواس وما بعده فاتفق أهل الأخبار كلهم أن ذا نواس هو ابن تبان أسعد واسمه زرعة وأنه تغلب على ملك آبائه التبابعة تسمى يوسف وتعصب لدين اليهودية وحمل عليه قبائل اليمن وأراد أهل نجران عليها وكانوا من بين العرب يدينون بالنصرانية ولهم فضل في الدين واستقامة وكان رئيسهم في ذلك يسمى عبد الله بن الثامر وكان هذا الدين وقع إليهم قديما من بقية أصحاب الحواريين من رجل سقط لهم من ملك التبعية يقال له ميمون نزل فيهم وكان مجتهدا في العبادة مجاب الدعوة وظهرت على يده الكرامات في شفاء المرضى وكان يطلب الخفاء عن الناس جهده وتبعه على دينه رجل من أهل الشام اسمه صالح وخرجا فارين بأنفسهما فلما وطئا بلاد العرب اختطفتهما سيارة فباعوهما بنجران وهم يعبدون نخلة طويلة بين أظهرهم ويعلقون عليها في الأعياد من حليهم وثيابهم ويعكفون عليها أياما وافترقا في الدير على رجلين من أهل نجران وأعجب سيد ميمون صلاته ودينه وسأله عن شأنه فدعاه إلى الدين وعبادة الله وأن عبادة النخلة باطل وأنه لو دعا معبوده عليها هلكت فقال له سيده إن فعلت دخلنا في دينك فدعا ميمون فأرسل الله ريحا فجعفت النخلة من أصلها وأطبق أهل نجران على أتباع دين عيسى صلوات الله عليه ومن رواية ابن إسحق أن ميمون نزل بقرية من قرى نجران وكان يمر به غلمان أهل نجران يتعلمون من ساحر كان بتلك القرية وفي أولئك الغلمان عبد الله بن الثامر فكان يجلس إلى ميمون ويسمع منه فآمن به واتبعه وحصل على معرفة اسم الله الأعظم فكان مجاب الدعوة لذلك واتبعه الناس على دينه وأنكر عليه نجران وهم بقتله فقال له: لن تطيق حتى تؤمن وتوحد فآمن ثم قتله فهلك ذلك الملك مكانه واجتمع أهل نجران على دين عبد الله بن الثامر وأقام نجران على دين صلوات الله عليه حتى دخلت عليهم الأحداث ودعاهم ذو نواس إلى دين اليهودية فأبوا فسار إليهم في أهل اليمن وعرض عليهم القتل فلم يزدهم إلا جماحا فحدد لهم الأخاديد وقتل وحرق حتى أهلك منهم فيما قال ابن إسحق عشرين ألفا ويزيدون وأفلت منهم رجل من سبا يقال له دوس ذو ثعلبان فسلك الرمل على فرسه وأعجزهم.